استراتيجيات تلقي النص التفاعلي بين صراع النمطية اللغوية والنظم الدليلية. ظلال العاشق نموذجا
د/ عايدة حوشي
قسم اللغة و الأدب العربي
كلية الآداب و اللغات
جامعة عبد الرحمن ميرة –بجاية – الجزائر
تتضمن هذه الدراسة مقاربة لأنساق الخطاب التفاعلي من خلال تحديد استراتيجياته عبر نمطية لغوية تتصارع والنظم الدليلية، ناهيك عن فكرة التفاعل موضوع دراستنا. لذلك سنعمد إلى بيان استراتيجيات الخطاب في نص (ظلال العاشق) لمحمد سناجلة ، بوصفه يتجاوز كينونة البناء التدليلي الواضح إلى ماوراء المدلولات، والتي تتشكل من مضامين متعددة، تذهب عبر عدم وضوح الصورة إلى فكرة ماوراء المدلول، ولمَ لا؟ صراعات بين الهوية اللغوية للخطاب في مقابل النظم الدليلية، أين يتيه المتلقي في التدليل، ويشكل الصراع بينه وبين أنساق الخطاب أزمة دليلية، وهو ما تسعى دراستنا إلى مقاربته، في ضوء كيفية اتساق عناصر لغة الخطاب مع صورته المرئية لإنتاج الدلالة، ثم تجاوزها إلى فائض المعنى من خلال القدرة الهائلة التي يوفرها السنن في خلق التمفصلات المافوق دليلية. حيث يغيب الآخر، في محاولته الجادة لإثبات مقدرته على السيطرة الجزئية على النمط الخطابي، ويصبح العنصر التفاعلي(الرقمي)، جزئية لاتفاعلية، يفقد الممثل ضمنها قدرته على مجابهة النسق الخطابي الذي تضيعه اللغة وتغيبه…
لم يعد المفهوم النصي العام متعلّقا بشكل مكتوب وآخر منطوق؛ إنّما ظهر منذ بداية القرن الواحد والعشرين معنى آخر للنصوص جعل منها الوسيط الآلي مدونة خاصة ذات مفاهيم متعددة وأشكال متنوعة جذبت إليها معظم المهتمين بالمدونات اللغوية وغيرها، حيث أضحت بين أيدينا عدة مصطلحات تخص النصوص المختلفة؛ نذكر منها: النص الجديد، النص الإلكتروني، النص الرقمي؛ ذلك أن المعنى النهائي للنص (Texte) ازداد تعقيدا مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، لاسيما حينما ارتبط بعلم اللغة الحاسوبي (Computational lnguistics) الذي يجمع بين نوعي النصوص الرقمية والورقية، حيث تشكل اللسانيات الحاسوبية جسرا تَعْبر من خلاله المدونات من المستوى الورقي العادي إلى المستوى الآلي. بهذا الشكل تكون الصعوبة في تحديد مفهوم النص متوارثة بين الرقمي والورقي؛ لأنّه من “النادر أن يكون مفهوم النص المستعمل بشكل واسع في إطار اللسانيات والدراسات الأدبية قد حدد بشكل واضح؛ إن بعضها يحدد تطبيقه على الخطاب المكتوب، بل على العمل الأدبي، وبعضها الآخر يرى فيه مرادفا للخطاب. وأخيرا فإن بعضها يعطيه توسعا سيميائيا منتقلا فيتكلم عن نص فيلمي وعن نص موسيقي إلى آخره، وبالاتفاق المنتشر في التداولية النصية، فإننا سنحدد النص هنا بوصفه: سلسلة لسانية محكية أو مكتوبة وتشكل وحدة تواصلية” ؛ فالمعيار الوحيد الذي يميز بينها (أي النصوص) هو هدفها التواصلي ناهيك عن نمط تشكلها، إلى جانب مقوماتها وقواعدها التي لا يجب أن تحيد عنها سواء أكانت ورقية أم كان رقمية، وعلى تلك القواعد أن تسيّر النص صوب قيمته الإيصالية.
آليات النص الرقمي بين المنحيين؛ الأدبي والفيلمي:
تقول زهور كرام:” يشهد الزمن الراهن شكلا جديدا في التجلي، بسبب الثقافة التكنولوجية التي غيرت إيقاع التعاملات الفردية والجماعية، كما سمحت بفضل وسائطها الالكترونية والرقمية إلى جعل الكل متفتحا على بعضه، ضمن شروط الثقافة الموحدة رقميا” . هذه الثقافة التي لا ينفك فيها مؤلف النص الرقمي يلقي بتجربه ضمن خصوصية الوسائط الالكترونية، دون أن يخرج عن السياق العام للأدب. إنّها السيرورة الإبداعية التي تجعل المؤلف مبدعا متفاعلا ومنفلتا من بوتقة موت المؤلف في نظرية الأدب؛ إذ “يمكن الحديث هنا عن مفهوم تعديل موت المؤلف، ووضعيته ووظيفته، ويمكن ملاحظة مظاهر هذا التعديل ابتداء من التعامل مع تغيير المؤلف عوض الكاتب أو المنتج، ذلك لأنه يؤلف بين مجموعة من العلامات والإمكانيات الكثيرة المتعددة” ؛ التي يمكننا التوقف عندها فيما يأتي:
يفترض النص الرقمي إجراءات خاصة من الناحية العملية، فقبل أن يتحول إلى نص مترابط يتداخل فيه النص الفيلمي؛ إذ يجب تحميله آليا ليتم عرضه كما يعرض الفيلم، وذلك رغم البون شاسع بينهما، لأن مجال مشاهدة الصور الفيلية ليسه البعد الرقمي المنوط بصور النص الرقمي، فلقد سميت الصورة في اللاتينية: الصورة الضوئية :Imago lucis op- era expressa، بما يعني: كاشفة، منبعثة، منتصبة، مستخرجة بفعل الضوء” ، لكن الفوتوغرافية منها ليست الصورة الفيلمية، فمنذ قيام (ميتز) بمقاربته السيميائية على الفيلم سنة: 1964، اعترف” بوجود مادة أولية غير قابلة للتحليل والاختزال في وحدات متفاصلة، هذه المادة الأولية هي الصورة، أي شيء مماثل للواقع(Analogon)، لا صلة له بمواضعات اللغة” ؛ فالصورة هي التي تجمع بين الملمحين على اختلاف الآليات والوظائف والسمات، لاسيما وأن قراءة ” النص الرقمي تستلزم امتلاك نفس آليات الثقافة الرقمية، وهذا ما يفترض على القارئ أن يمتلك هو الآخر –شأنه شأن المؤلف الرقمي- نفس إمكانيات الثقافة الرقمية، مما يعني أن منتج النص الرقمي ومتلقيه يستعملان نفس التقنيات الرقمية” ، كما أنّ للنص “ما قبل الرقمي بنيات وعلاقات، أما النص الرقمي فهو عقد) (Nodes/Noeudsوروابط(Links/Liens)” .
يعتبر استخدام الشبكة العنكبوتية حتمية تعكس أولى خطوات فتح النص بعد النقر على رابط التحميل التالي (https://drive.google.com/file/d/0B52tMZcswddxbzNOTDJ5bUJrZGc/view) ، ما يسمح بتحول النص في خطوة ثانية إلى ملف حاسوبي، لا ينفك يحتاج إلى الشبكة مرة أخرى كي يتم التفاعل معه آليا، حيث تظهر كيفية فتح النص بهذا الشكل:
هذا من جهة، من جهة أخرى تشكل فلسفة الأفلام حتمية للنص التفاعلي؛ لأنّه لا ينفك في العالم الافتراضي ينحو منحى الشكل الفيلمي في عرض واجهة النص؛ إنه الجينيريك الذي لا يكاد ينفلت من بوتقة الأعمال الفيليمية أوالسينمائية على السواء، لأنه يشكل مرحلة فيلمية هامة في التقديم للنص الرقمي ما تعكسه الصور التالية:
لقد حضعت بداية الرواية لخاصية فيليمة تسمى الجينيريك، الذي يشكل جزءا من القيدوم أو الخلفية (Arrière-Plan)للنص الرقمي بوصفها:” فسحة تقع في قعر المدى، خلف (وراء) الموضوع الرئيسي” ، الذي شكّل فلسفة فيليمة أدبية في الوقت عينه، تزاوج بموجبها فنان في العالم الافتراضي التفاعلي هما (الفن السابع والأدب)؛ ما يجعلنا نتساءل عن مدى تدخل الفيلموسوفيا في فلسفة الكتابة في الأدب الرقمي (التفاعلي)؟ أي فلسفة دراسة النص الرقمي فكريا. بمعنى كيفية تصميم نص رقمي، الكترونيا وفيليميا وأدبيا حتى يستقل بخصائص تَحْكُمُه؟
لقد شرع المؤلف نصه بصور فيلمية تصويرية تجعل القارئ أمام شاشة سينمائية حاسوبية، حول بموجها فعل المشاهدة الواقعية التي يمكن أن نعيشها في صالة العرض، إلى كينونة افتراضية عبر العالم الأزرق، فعبر:” التصوير Figuration ؛صوّر تعني أعطى شكلا لأشياء أو لأشخاص، و يجري تقليديا إقامة تضاد بين الفن التصويري، المبني على علاقات تشابهية تتيح التعرف على عناصر من عالمنا، وبين الفن التجريدي الذي لا تتشابه أشكاله مع شيء واقعي بل هي تشكيلية صرف…” ، وهنا نتجاوز مفهوم العالم التشكيلي إلى العالم الافتراضي بكل حيثياته وآلياته التي يعتمدها المؤلف في نقل مشاهد روايته. أما اختيار وجه معين أو شكل Figure فهو” وضع أحد ما أو شيء ما ضمن أشكال” ، ليكون ” المبصر (أو ما يحسه البصر المعرب، من صورة ثابتة أو فيلم، يمكن أن ينتج صورا بلاغية تعادل الصور التي تعرفها الصور الكلامي، فهذه الاستعارات تحرف اتجاه عنصر من عناصر الصورة كما تحرف معنى كلمة” . وهو عالم خاص بكل قارئ على حده؛ بحسب ما تنتجه الصور من انحراف ينزاح بموجبه التصوير من الحقيقة إلى المجاز.
يقول دانيال فرامبتون: “إن السينما لم تعد مسألة تصوير آلي، حتى لو تغاضينا عن الحرفة الكلاسيكية في الاختبار البسيط للزوايا وتعريض الفيلم للضوء وأشياء من هذا القبيل، لذلك فإن تعميم مقولة العالم الفيليمي هو نسخة بسيطة للواقع سوف يصبح محدودا، فالصور الحديثة التي يتم تخليقها بالكمبيوتر تحول مقولة بيركنز في عام 1972 بأن كل شيء يحدث على الشاشة في الأفلام التي تصور أحداثا حية قد حدث أمام الكاميرا، إلى مقولة تنتمي إلى التاريخ، لكن هذه الصور الكمبيوترية تتطلب منا أيضا قدرا هائلا من إعادة التفكير في الصورة السينمائية… نعم عن الفيلم يستخدم الواقع لكنه يأخذه ثم يصوغه على الفور ثم يعيد تشكيله و يضعه مرة أخرى أمام المتفرج باعتباره تفسيرا، أو إعادة إدراك” . إننا إذن بحاجة ماسة لإدراك آليات التفكير التي تخص تشكيل النص الرقمي، وكيفية اقتباس آليات الفنون الأخرى واستثمارها عند المؤلف المخرج والمصمم في الوقت نفسه. أضف إلى هذا أن الحاجة ماسة أيضا إلى رسم حدود التجلي بين كل هذه الفنون؟ لأن مؤلف النص الرقمي، يفكر تفكير الأديب وتفكير المخرج السينمائي، وتفكير المصمم والرياضي اللغوي. إنها عوالم تمتزج لتعكس عملا فكريا وعقليا بالغ الدقة في التصوير والتخطيط، لأنّ” كل ربط الفيلم وصوره المتحركة هي ببساطة تجسيد للطريقة التي يعمل بها العقل… وهي الأقرب لما نستطيع أن نصل إليه للإمساك بالوجود الخالص للعالم من خلال وسيط، حتى تم الوصول بالصدفة إلى اختراع آلة لتسجيل عمليات المخ صورة بعد الأخرى” .
يمكن الحديث هنا كما تقول زهور كرام:”عن مفهوم تعديل موقع المؤلف، ووضعيته ووظيفته، ويمكن ملاحظة مظاهر هذا التعديل ابتداء من التعامل مع تعبير المؤلف، عوض الكاتب والمنتج، ذلك لأنه يؤلف بين مجموعة من العلامات والإمكانيات الكثيرة و المتعددة” ؛ فمحمد سناجلة مخرج” ومعناها الحرفي (واضع في مشهد) لأنه يحول الأشياء والأفكار المكتوبة إلى أشياء وأفكار تشاهد بالعين(Metteur en scène)” ، ومن خصوصية النص الرقمي أنه أعطى للنص الفيلمي تجميعا افتراضيا” Montage Virtuel، وهو تجميع حدث منذ” السنوات 1990 على منبه فيديو انطلاقا من (صور مع صوت) مرقمة من الفلم الذي يقومه المجتمع ويرتبه الحاسوب، وهذه الطريقة تتيح إلغاء معالجات الفيلم باليد، وبالتالي تتيح إزالة تشويهات محتملة” . إنه الكيان الفيلمي الرقميNumérique ، بوصفه “تقنية في تكويد الإعلام بواسطة الحاسوب على النمط الثنائي، تسمح إما بنقل فيلم على شريط (رقمنته) أو تصويره مباشرة (بواسطة كاميرات رقمية أو DV، وإما بالمداخلة على الشريط لمعالجته باليد(إيجاد مؤثرات خاصة، أو ترميم أفلام تالفة، وإما أخيرا بإنتاج صور مبنية بناء رياضياتا بواسطة الحاسوب، دون المرور على أشياء من العالم، أي الصور المركبة تركيبا” .
إلى جانب الإخراج فمحمد سناجلة منتج أيضا؛ والإنتاج (Production)هو نشاط يقوم على إنجاح مشروع فيلم… وهو المرحلة التي تتواصل عادة حتى توزيع الفيلم واستثماره” . فلقد جمع المؤلف في ظلال العاشق بين عمل المخرج والمؤلف أيضا؛ حيث ” يتضمن عمل المؤلف بعدا دلاليا، وهو ليس شكليا بصورة نقية، بينما عمل المخرج، من ناحية أخرى، لا يتجاوز عالم الآداء” . بهذا الشكل أعاد محمد سناجلة عرض الصور الفيليمة، بتجديد صياغتها، لتحظى بالتفسير التفاعلي الافتراضي، على سبيل فيلموسوفيا النص الرقمي؛ ما خوّل لفسلفة التصوير الفيلمي أن تصاغ رقميا وتأخذ بعدا سطره لها سناجلة كي يحاكي عالما افتراضيا لكنه واقعي في الوقت نفسه.
لقد شرع سناجلة نصه بتحديد المجال الواقعي لمجريات الأحداث في الرواية، لكنه ما فتىء يكسر تلك الواقعية بلغة افتراضية، امتزج فيها التاريخي بالواقعي، والواقعي بما يجب أن يكون، ناهيك عن روابط الحكي داخل الحكي، في شكل وقفات فيلمية قصيرة تسطو على الحكي في الرواية، من قبيل مايأتي:
خلق تدخل فلسفة الفيلم في صناعة النص الرقمي بعدا إدراكيا، يحيا بين زمن الرواية، وواقعها الافتراضي، ناهيك عن مستوياتها التفاعلية؛ لأن ” الصور المتحركة هي أفكارنا وقد أصبحت مرئية ومسموعة. إنها تتدفق في تعاقب سريع للصور، مثلما تفعل أفكارنا تماما، وفي سرعتها، وفي انتقالها- كأنه انبثاق مفاجئ للذاكرة- وفي انتقالها الحاد من موضوع إلى آخر…إن الصور المتحركة لها إيقاع تيار الأفكار، ولها نفس القدرة الخارجة على الحركة إلى الأمام و على الخلف عبر المكان و الزمان…إنها تعرض الفكر الخالص، الحياة الداخلية الخالصة” . تشكل الصورة في النص الرقمي قوام الصناعة الفيليمية؛ إنها “كالصورة الثابتة، لها حقيقة تصويرية مزدوجة، كمساحة مسطحة ذات بعدين، وكتمثيل لعالم في العمق، أي ثلاثي الأبعاد… بل هي اليوم رقمية (Numérique)” .
لقد صاحب مجموع الأفلام لاسيما الجينيريك، تنسيق موسيقي مميز، ذلك أن التنسيق أو التدبير أو التوفيق Arrangement))، يمكن أن تكون موسيقى الفيلم أصلية، أو أن تكون نتاج تنسيق مؤلفات مطلوب توفيقها وتكييفها تبعا لشريط الصور” ، كما لجأ المؤلف إلى التضجيج أيضا حين عرض الأفلام المتحركة في النماذج: 9/11/13/15؛ بوصفه ضجيجا مصطنعا (Bruitage)؛ وهو ” عبارة عن أصوات غير الموسيقى والأصوات البشرية، ويمكن الحصول عليه مباشرة عند التصوير، كما يمكن أيضا تسجيله عند التجميع (المونتاج) عن طريق الاستعانة بالأصوات المسجلة لدى مكتبة الأصوات، أو في قاعة التسجيل، وعن طريق التضجيج يقلد المضجج ضجيج العمليات بواسطة معدات مختلفة” . أما فاعلية الصوت للتأثير في الآخر فالصوت الفيلمي:” سواء كان داخل عالم الفيلم أم لا، يكون مصدرا محددا، فهو غير متموضع في الصورة، ونسمعه دون أن نرى المصدر الذي يأتي منه، أي مكبرات الصوت، وعندما نربط الصوت بمصدره في الصورة، إنما نحيّز مصدره” .
لجأ المؤلف إلى استخدام الأفلام المتحركة التي تعكس ” تقنية مختلفة لإنتاج الحركة… إن فيلم الصور المتحركة الذي نخطئ إذا اعتقدنا أنه مخصص للأطفال، يثير اهتمام المنظرين لأنه يستنفذ موارد التصوير أقصى استنفاذ… الرسوم المتحركة (Cartoon) أشارت في البداية إلى الشريط المرسوم، ثم إلى فيلم الرسوم المتحركة، ويقوم المكرتن بتنفيذ صورها” .
عكست الأشكال: 10/12/14/16أفلاما بتأثير واقعي، خاصة فيلم مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة والمذبحة؛ إنه ” تأثير فعلي أو حقيقي (Effet de réalité / Effet de réel). فالمقارنة بين التأثير الواقعي والتأثير الفعلي (أو الحقيقي) قد وردت في التيار النقدي للتفكيك(Déconstruction)) خلال السبعينيات(دريداDérrida)،) أودارOudart)، فالتأثير الواقعي يدل على التأثير الناتج عن كودات التشابه في كل صورة تصويرية، مهما كانت درجة التشابه التي تقيمها مع الواقع، وتأثير الواقع الفعلي يدل على الاعتقاد الذي تولده عند المشاهد أنماط التصوير التي تبدو في الصورة، وهي أنماط منبثقة من عصر النهضة (وخاصة المنظوراتية) وهذه الأنماط التصويرية التي تعتمد على درجة قوية من التشابه(تصوير مشابه جدا لعالمنا)، تحمل المشاهد على الشعور بوجود فعلي، إذ إنه يفكر بأن ما يراه له مرجع في الواقع الحقيقي، وبأن العالم يعمل تماما كما تعرض عليه الصورة أو الفيلم، إنه يؤمن، لا يتوهم مايراه، بل بصحة حديثة عن العالم” ، أما فيلم الشكل 8؛ فعكس علاقة حميمية من نوع السوفتكور(Softcore)، وهي ” الأفلام التي يكون الفعل الجنسي فيها شكليا فقط” .
لقد تناوبت داخل الرواية أزمنة عديدة، لحروب واقعية ذات إحالات تاريخية متعددة، عمد المؤلف إلى توجيه القارئ عبرها إلى إرجاعيات مضامينية متعددة، وكأنه يريد منه أن يعي الميتانص، على طريقة أكثر تفاعلية، وهو ما عكسته الروابط الإحالية والإرجاعية التي جعلت سيرة التاريخ ملحمة واقعية، لابد لنا أن نعيها في حدود ما شهده العالم عبر التاريخ. إنّه نوع من التشكل العصي على الفهم البسيط؛ أَوَ لَيْست اللعب الالكترونية صناعة غربية، أوليس القرار صناعة رومانية (اللعنة ماذا يريد الرومان منا الآن؟ ألن نتخلص من ربقتهم واستهتارهم بنا أبداً… لماذا يطيع أبي الرومان، وأية سياسة لعينة هذه التي لا أفهمها؟ اللعنة على هذا القدر المغثي، اللعنة على هذا الزمن الكريه… فلقد اجتاحت الدماء الآدوميين، ناهيك عن بغداد، كما عرجت على سورية، حتى جاءت زلزلة الساعة وأضحى الناس سكارى وماهم بسكارى. لقد قامت الساعة فإذا الأرض كالعهن المنفوش، وإذا الجبال تسير الى الناس كأنها قطع الليل المظلم معلنا نهاية اللعبة وفشل الطفل في تحقيق الفوز في اللعبة. ذلك أن (ظلال العاشق) ليس إلا واقعا أسأنا فهمه، ولابد لنا أن نعاود توجيه أنفسنا لقراءة ما بين سطوره.
من النمطية اللغوية إلى النظم الدليلية التفاعلية (النص والآخر)
ظلال العاشق بنية لغوية متسلسلة، تخضع لضبط في الوحدات اللسانية حتى تؤدي المعنى المراد الوصول إليه، كما تدخل فيها وحدات غير لسانية تساهم في إعطاء مفاهيم جديدة للوحدة اللسانية وطرائقها التعبيرية. ناهيك عن العناصر الغائبة التي تساهم في جعل المفاهيم تنزاح عن أصولها الظاهرة، والتي تحتاج إلى ممارسة لغوية عالية حتى تتمكن العناصر اللسانية من المحافظة على أبعادها التواصلية، لكنّ الإشكال المطروح في هذا المستوى هو أنّ هذه النصوص قد سارت في المعالجة التقليدية وفق مسار شفهي أو مكتوب لم تُلمس العناصر الوسيطة فيه، إنما ظهرت النصوص متقاربة بشكل عام، والذي بيّن خصوصيتها هو التعدد اللغوي ونمط الكتابة فيها لا غير.
تظهر ظلال العاشق نمطا لغويا مميزا، لغة لصيقة بغير اللغوي جرّاء الاجتياحات الالكترونية التي لحقت بكل العلوم المعاصرة، ناهيك عن كونها لا تشمل الكلمة المكتوبة والشفوية فقط، ولكن أيضا الموسيقى، والفنون المصورة … وفي الواقع تشمل كل سلوك الإنسان” ، لأنها لغة معالجة آليا، تحتاج إلى فهم طريقة التعامل مع الذكاء الاصطناعي ؛ معنى هذا أن العقل الاصطناعي قد وقع عقدا إلكترونيا مع اللغات الإنسانية، ليس كتابة فقط بل نطقا أيضا، فقد “توصل العلماء في التركيب الاصطناعي إلى نتائج رائعة إذ أصبح من الممكن أن تنطق الآلة والأيالة” ، ما عكسته الوصلة الموسيقية لجينيريك النص، الذي يفرض استراتيجية خاصة جدا لتلقيه، تستلزم فهم الأسس التي بني عليها النص الرقمي، وكيفية التفاعل معه.
يتحكم الفضاء الافتراضي في تلقي لغة نص”ظلال العاشق” وغيره من النصوص الرقمية، لاسيما وهو تركيب لغوي يمتزج فيه الجانب الفصيح باللهجي مثل الأشعار الموالية :
يا عتاق صارت ديرتنا مراجي وخيول الضد طفحتها مراجي اجوا البدوان من كل كته مراجي وابن كموش ما يخيب الرجا(13)
يعكس هذا الإجراء انتقالا تركيبيا فيه الكثير من الأريحية اللغوية رغم صعوبات المستوى اللهجي على غير الناطقين به، وهي خاصية خولت للمدونات الآلية إلغاء ما يسمى بجغرافية اللغة لأنه من الخطأ الإقرار بالحدود اللغوية الإقليمية في حين أضحى العالم قرية صغيرة؛ ليس ضمن اللغة الواحدة فقط بل أيضا عبر اللغات المختلفة على اختلاق مستوياتها؛ هذا إذًا عن شكل اللغة فماذا عن نمطيتها؟
تخضع لغة محمد سناجلة إلى تركيبة مميزة، خلقت مقاما خاصا للخطاب، تأرجح بين حدود البنائية اللّغوية والنظم الدليلية، ما شكل نسقا مفاهيميا مميزا ( (Le système de définitions ؛ إنها لغة استوجبت دفع الحدود المفهومية إلى أبعد ما يمكن ) (، لأنّ نظاما من المفاهيم الموجودة في اللّغة بجميع مستوياتها يستلزم أخذ الآليات التكنولوجية بعين الاعتبار، وهو ما يَفْترضه النّظام من خصوصية نمطية ودليلية في الوقت نفسه. بهذا الشكل يبرز النّظام بوصفه أهم الخصائص التي تساعد على إبراز مفهوم اللّغة المعالجة آليا في الحاسوب؛ أي كونها” نظاما من الأدلة يعبر عما للإنسان من أفكار، وهي بهذا شبيهة بالكتابة وبألفبائية الصم والبكم وبالتقاليد الرمزية، وآداب السلوك والإشارات العسكرية إلخ… إلا أنّ اللّغة هي أهم هذه النظم”( )، فالنّظام الذي استلزمته لغة ظلال العاشق؛ هو نظام ينفلت من الشكل اللساني العام إلى فضاء اللسانيات الحاسوبية؛ بوصفها نمطا تركيبيا أُدخلت اللغة بموجبه إلى مجال الذكاء الاصطناعي، وطبعت بخصائصه في المعالجة. هذا من ناحية، إذا عدنا من ناحية أخرى إلى جملة النُظُم التي مثّل بها بول فولكييه (Paul Foulquié) وريمون سان جون (Raymond Saint – Jean) تحديدهما لمفهوم النظام خارج اللسانيات الحاسوبية؛ نجد نظام المدلولات، الذي يتبوأ مكانةً هامةً ضمن مجموع التركيبات الخاصة بالمصطلح، لكن الذي يهمنا هنا هو: اقتران هذا المفهوم بالمدلول أيًّا كان، لأنّه إذا تحقق منه مدلولٌ ما؛ فإنّه سيؤدي حتمًا إلى الاتصال سواء اللّغوي أم غير اللّغوي. أين تنفلت السيميولوجيا أيضا من بوتقة مقاربة النص العادي إلى تحليل النص التفاعلي وفق لغة المدلولات التي تولدت عن معالجة آلية للعلامات؛ أوَ لم يحن الأوان بعد لنتنبأ بميلاد سيميائيات حاسوبية، استوجبتها التطورات التكنولوجية، وفرضت على الأدلة معالجة آلية؟؟؟
النظم الدليلية التفاعلية:
أولا التشكل الأيقوني في النص التفاعلي:
الأيقون :(Icon) هو” دليل يحيل إلى موضوعه عن طريق الصفات التي يحملها، سواء أوجد الموضوع أم لم يوجد، فإذا لم يوجد الموضوع فعلا، لا يعمل الأيقون كدليل”( )، أمّا بخصوص الأيقونات الدنياHypoicons) ) فيمكن للممثل الأيقوني ـ كما يؤكد بورس ـ أن ” يسمى أيقونا أدنى أي دون الأيقون، أو يمكن أن يسمى أيضا تحت الأيقون، وهي رسوم بيانية (تصاميم)Diagrams))، وصور واستعارات(Metaphors)” ( ).
إن أبرز ما اشتملت عليه ظلال العاشق في شكل تصميم عام لمكان مجريات الأحداث؛ هو الخارطة التي وظفها المؤلف كي تعكس موضوعا حقيقيا، يقدم المرجعية المكانية والتاريخية للرواية بهذا الشكل:
هذا من جهة، من جهة ثانية؛ أليست (ظلال العاشق) روايةً صممها محمد سناجلة، لتعكس لعبة صنعها الغرب وتكون دماءً سالت من ظلال العاشق (الكلمة) وظلال العاشق التاريخ، ناهيك عن الحاضر الدموي المسلوب من الدين، والشخصية، والذي يحيا التناقضات عبر كل المستويات الحياتية، لاسيما التاريخ المقنع (السري) الذي يعكس ظلالا تقطر سماؤها دما، في صورة أيقون أدنى، تشكل الظلال فيه خلفية للتاريخ بكل ما يحويه من دموية، وإن تراءى لنا عكس ما هو عليه:
إنه إذًا الجانب الأيقوني التشكيلي:” Iconique/ Plastique، أين تنتظم الصورة في وحدات لها دلالة(معنى)، في علامات من نوعين؛ تشكيلية وأيقونية، أمّا العلامات التشكيلية، فهي الأشكال والألوان والمادة، لا تصور شيئا ما من العالم، بل تعني (لها دلالة) في الكود البصري؛ فهي وحدها الفاعلة في الصورة المجردة، أما في الصورة التشابهية، التصويرية فالعلامات التشكيلية تنتظم في علامات أيقونية” . فحتى الكلمة أضحت جسدا يسيل منه الدم ليصبغ التاريخ السري لكموش بصبغة الدماء التي لم يتوقف الإنسان يوما عن هدرها، سواء باسم الدين؟ أم باسم التسلط؟ أم باسم الأحقية اللاشرعية، أم باسم القصاص الباهت الذي أحرقت بموجبه الجثث، أم باسم لعبة التاريخ والسياسية؛ ما حوّل هؤلاء جميعا إلى لاعبين انتهت لعبتهم بالخسارة. لكن بعد ماذا؟؟؟ و من كان اللاعب؟
الأثر البلاغيRethorical evidence)) و تجليات الأيقون:
الأثر البلاغي Rhetorical evidence)) هو ” فعل مألوف لتمثيلات موجودة هي أيقونات، والشيء نفسه لكل رسم بياني (تخطيط/تصميم)؛ رغم عدم وجود تشابه مادي بينه وبين موضوعه، بل مشابهة فقط Analogy)) بين علاقات الأجزاء لكل واحد منهما”( )، فالأيقونات بهذا الشكل هي؛ مشابهة تخص عدة قواعد في الاصطلاح لا يمكن أن تنفلت من انتباهنا بشكل أو بآخر، فكيف يحدث ذلك؟ نجيب: إن الصورة والتشبيه كلاهما يدخلان في عملية التواصل التي يسعى الإنسان من خلالها إلى الحفاظ على اجتماعية التفكير.
أمّا الأيقون الاستعاري فنجده واضحا عبر البلاغة في شكل استعارة كبرى تكاد تنطق بكل الصور التي حواها الحب والحزن على لسان محمد سناجلة، إذ اشتملت الرواية على: أكثر من خمسين أيقونة استعارية؛ حيث” تتحدى الاستعارة التي هي ألمع الصور البيانية، ولأنها ألمعها فهي أكثرها ضرورة وكثافة. كل مدخل في أي موسوعة كانت، و ذلك لأنها كانت قبل كل شيء و منذ أبد طويل موضوع اهتمام فلسفي، لغوي، جمالي، ونفسي… لكنّ كل هذا لا يهم إذا ما اعتبرت زخرفا، لأنها لو كانت زخرفا فقط (أي أن نقول بعبارات جميلة ما يمكن قوله بطريقة أخرى) لكان بالإمكان تماما تفسيرها بعبارات نظرية الدلالة الصريحة، بل إنها تهمنا باعتبارها أداة المعرفة الإضافية و ليس الاستبدالية، لأنها تلحق بالموسوعة . علما أنّها في مجال الدراسات اللسانية “تعطي شعورا بالفضيحة… لأنها بالفعل آلية سيميائية تتجلى في جميع أنظمة العلامات” ، سؤالنا الذي يفرض نفسه؛ كيف يمكننا التواصل عبرها ونحن نفكر في صدقها من كذبها؟ إن عرفانيتها من تفرض نفسها علينا أثناء التواصل، ولنا أن نأخذ الأمثلة الموالية:
فمن خلال الوضع الكيفي الصدقي للتخيل” نتظاهر بقول شيء ما، ومع ذلك نريد بجديّة قول شيء صادق يتعدّى نطاق الحقيقة الحرفية” ، لأن ما يحسه المؤلف ليس كذبا و إن تراءى لنا ذلك، فالصدق ينطق بما تجرأ الوطن أن يزرعه فينا من ذعر شكاته الدماء سواء في زمن الشجر، أو على مر العصور، وكما حذفنا المشبه به في الاستعارة الأولى، أضحت المنجنيقات تغتال الإنسان شأنها شأن الرمح في زمن الشجر… فالماصدق يلف الاستعارة عبر المجاز ليخلق صورة لا نقوى على تمثلها بسهولة، بل نعمد إلى الإقرار بالمشابهة بينها وبين ما نستسيغه قولا. ونسعى إلى تمثله وتمثيله، صوتا وصورة، في شكل إجراء تزاوج والبلاغة فيما رآه محمد سناجلة داعما للغة نصه ومجازاته التي تقوي المضمون وتدفع بمضامينه قدما.
بـ ـ المؤشرIndex)):
المؤشر ” هو دليل أو تمثيل An index or representation)) لا يحيل كثيرا إلى موضوعه، وذلك لعدم المشابهة أو المماثلة Any similarity or analogy))، لهذا السبب جمع بواسطة سلوكات عامة يريد الموضوع أن يحملها”( )؛ أي إن المؤشر لا يقوم على عنصر المشابهة، بل على عنصر الإحالة غير المباشرة، لأنه يحيل فعلا إلى شيء مختلف عنه، ولنا أن نمثل بالمؤشرات التالية من الرواية:
إنها ما يشبه رسائل قديمة، تقرأ طوليا شأنها شأن النص الترابطي، تحوي ثلاثة مؤشرات سهمية، توجه القارئ وتحيله إلى الجزء الذي يريد التوقف عنده، أو الصعود والنزول في النص، ناهيك عن مؤشر على اليمين يحيل إلى التفاعل مع النص، من خلال النقر عليه.
كما يلفت الانتباه في هذه الرواية تأشير مميز حفل به الجينيريك ألا وهو مسار الأسهم في الحرب، والتي تسير في اتجاه عكسي (من اليسار إلى اليمين) ومع ذلك تصيب الهدف، فهل تعمدها المؤلف ليبين أن الدافع لسفك الدماء كان عكس تيار الهواء، ومع ذلك أصاب الهدف وقتل من قتل؟ إنها لعبة بكل بساطة، تحيا في الإنسان منذ زمن الشجر، وعلى مر العصور، فأي عصر لم تسفك فيه الدماء؟ ولم تقطر فيه دماء من ظلال العاشق( نقصد صورة ظلال العاشق التي تقطر دما؟
يمكن للمؤشرات أن تميز عن باقي الأدلة أو التمثيلات عن طريق ملامح ثلاثة تشكل آثارا زمنية ثلاثة هي على التوالي:
ب2ـ المؤشرات التحتيةSub indices))، أو السمات الدنياHyposemes)):
من جملة المؤشرات التحتية أسماء الأعلام، للمدن والأبطال، و التي توجهت تأشيريا من خلال الروابط بهذا الشكل:
أما المؤشرات الدنيا فقد عكسها الرابط الخاص بالنص رقم2 في الرواية، لأن المؤشرات التحتية هي “أدلةً تصبح مؤشرات تحتية أساسا، ذات اتصال حقيقي بموضوعاتها، “( ). وهو ما يحيل إليه رابط الصراع مع التنين بقصة “كموش في زمن الشجر، والذي يُدخِل التأشيرَ في مرحلة من الضمنية تبعا للاختلاف الحاصل بين طرفي الدليل، من قبيل التأشير إلى العهد البدائي (زمن الشجر والكهوف والمغارات)، لما شرع الإنسان يشكل جماعات بشرية، وبدأ يطلق التسميات على ما حوله: (كانت ثماراً صفراء يانعة أسمتها فاطيما تفاحاً)/ (العود الذي سمته فاطيما رمحاً).
أما المؤشرات الدنيا في (كموش في زمن الشجر) فقد عكستها أسماء الاعلام التالية: النمر الوثاب
فاطيما/ تنانين/ ضباع/ التنين الأحمر لوتان ذو الرؤوس السبعة/ السبع الأعور/غصون/إله البراكين بدارو / ربة الزلازل زيازو العلية/الحية الرقطاء.
أما الروابط الإرجاعية التي استخدما المؤلف للشرح، لاسيما (فأرة الحاسوب)، فهي مؤشرات تحتية أيضا، يمكننا عرضها للتدليل وفق ما يأتي:
ج ـ الرمزSymbol)): الرمز هو: ” دليل يفقد صفة تجعله دليلا، إذا لم يكن هناك مؤول، أيضا إذا كان كل تغيير كلام يدل عما هو بواسطة فعالية يحصل على دلالته لكونه مفهوما”( ).
ج1ـ الرمز والصـدى( الربليك)Symbol and the replica)):
الرمز بهذا الشكل:” ممثل؛ أين يرتكز السلوك التمثيلي بشكل خاص على ما يمثل القانون الذي يحدد مؤوله: كل الكلمات، الجمل، كتب، وأدلة أخرى اتفاقية (Conventional signs)، هي رموز. نتحدث عن الكتابة أو النطق بكلمة ” رجل”، لكنها صدى فقط (Only a replica)، أو مادية الكلمة المتلفظة أو المكتوبة، فالكلمة نفسها لا وجود لها إذا لم يكن هناك كائن واقعي أين ترتكز الحقيقة على كون الموجودات تطابقه Conform to it)). إنه عالم عام أو ممثلون لثلاثة أصوات، والذي لا يصبح دليلا إلاّ عبر فعل الاعتياد أو عبر قانون التملكAcquired law))، “( ). الصدى بهذا الشكل؛ حالة دليل أدنى تكمل أنواع الدليل… أوليس العقال الفلسطيني وخارطة فلسطين رمزا للقضية التي تعاني الضياع منذ سنين ومؤشرا لاستمرار الضياع:
تحتوي ” التضمينات الفيلمية على مستوى ظل المعنى دائما على صفة رمزية، و أعني بهذا العنصر الخاص بواقع القصة المروية على الرغم من احتفاظه بمعناه الصحيح” ؛ فجملة ما حوته الرواية من تضمينات فيلمية هي أصداء رموز؛ و لعل الأبرز فيها إحراق الطيار الأردني حيا، نفهم من هذا أن الرمز أو صداه سواء أعبّر كلٌ منهما عن عملية اعتبارٍ قانونية أم لا تبقى دلالتهما قائمة على الاتفاق، وهذه الدلالة الاتفاقية، جعلت من الطيار رمزا لكل عملية مشابهة تبناها الدين، لأنّ الرمز:” قانون انتظام للمستقبل غير المحدد، فلابد أن يوصف مؤوله بالطريقة نفسها، وأيضا موضوعه المباشر الكامل أو دلالته”( )، فإذا تساءلنا عن طبيعة التوجيه العرفي لهذا الصدى الرمزي، نقول: إن تحول معاذ الكساسبة إلى صدى رمزي لا يجعله رمزا قانونا بالضرورة، لأنه يظل شبيها بالرمز لا غير و هو من الأدلة الرمزية التحتية، الأمر الذي يعود حسب جيرار دولودال إلى طبيعة الرمز في حدِّ ذاته من خلال ارتباطه بأنواع من الموضوعات، أي سواء ارتبط بشيء يشبهه، أم عن طريق “ارتباطه بالمؤشر كجزء منه”( )؛ أي إن الرمز مؤشر نوعا ما، رغم أن المؤشر مقترن بموضوعه عن طريق الاختلاف، فصورة الطيار وهو يحرق مؤشر إلى طرق التأويل الديني للقصاص، وتفسير للمنحى الديني السياسي الذي انتهج في تلك القضية، لأنّه ليس رمزا للإنسان نفسه، بل صدى لكل ما يحمله من دلالات عرفية، خاصة لمّا اقترن في ظلال العاشق، بمهمة قائد الحرب. الذي أصابته النشوة من إشعال المحرقة. أوليس للتاريخ أصداء شبيهة بهذه المحرقة؟؟؟
الرواية الرقمية والآخر:
لغة ظلال العاشق لغة تفاعلية بامتياز ، لا على المستوى الاصطلاحي الذي يسم النص الرقمي وحسب، بل لأن التفاعل” تأثير للمقام على المتكلم، أو تأثير الأنشطة الإقناعية، والبلاغية، لمتكلم في حضرة مستقبل يعمل على إحداث أنشطة تأويلية رجعية، وبذلك يكون التفاعل علاقة سببية، إن مصطلح التفاعل يعني من منظور التحليل التحاوري تلك اللعبة المعقدة من المحاولات المتبادلة لكي يجد فيها المشاركان في التحاور هويتهما، وذلك من خلال تراتب الأشخاص وفي التحركات الاجتماعية، تلك اللعبة المعقدة التي ينشأ عنها التفاهم في ظل الحقيقة الاجتماعية. واللغة هي العنصر المؤسس لهذه الحقيقة. إن التفاعلات تتلاحق حسب نموذج أساسي مشكل في ثلاث مراحل متتابعة: تقديم، فعرض(النواة) ثم انقطاع، ومرحلتا التقديم، والانقطاع ضروريتان للتعرف على أنّ البنيات بنيات تفاعلية حققها المشاركون في التحاور، وكل مرحلة تضم مهام معينة هي التي تنشئ التمييزات الظرفية لكل تصميم تواصلي” . لذلك فإن الحديث عن موت المؤلف في النص الرقمي هو نوع من المراوغة، حيث يشكل موقع الرواية منصة لقراءة النص الرقمي وفق استراتيجية تفاعلية تبدأ بدخول الموقع التفاعلي الموالي:
ومن هنا يخلق الموقع التفاعلي، زمنا متشضيا بين الأبعاد السابقة التي غزت النص، وجعلت القارئ يرتحل عبر السيرورة الزمنية البشرية، ويدخل عوالم هيولية، ليصل إلى ما نحياه الآن. لكنها تبقى لعبة من الألعاب التي صنعها الغرب، وآن لنا أن نفقه أننا خسرناها بعبارة (انتهت اللعبة)، لاسيما وأن النص، سيحيا ما بعد اللعبة، ليدخلَه المؤلفُ مجددا، ويشاركَ فيه غيرَه، عبر الموقع التفاعلي الافتراضي الذي يفتح النص على حواسيب العالم أجمع؛ أين تكون المضامين لا متناهية، تحيا في فائض المعنى.
لقد شكلت نمطية اللغة في ظلال العاشق، زخما زمانيا ومكانيا كبيرا يصعب تقويضه والسيطرة عليه… إنها ظلال العاشق الملأى بروابط التفاعل، والتي تنفتح على مجموعة نصوص رقمية، أين تقمصت الروابط مهمة آلة السفر عبر الزمن، وحديثنا عن الزمن لا يجعله زمنا واقعيا وحسب (بما أن الرواية واقعية)؛ بل أزمنة افتراضية، تجعل القارئ يسافر بين الأجناس الأدبية، فمن الرواية إلى القصة إلى الأسطورة، ناهيك عن الوسائط المترابطة (Hyper-media) ، والتي عكستها أفلام قصيرة ومقاطع من فيديو.
يستلزم النص الرقمي إذن؛ استراتيجيات خاصة للتفاعل معه، تبدأ من إبرام عقد مع الآلة والشبكة العنكبوتية، مع فهم النظام الذي تفرضه المعالجة الآلية للجانبين اللغوي وغير اللغوي في النصوص الرقمية، لاسيما إدراك الفلسفة التي بني عليها، والتي جمعت بين أحكام الصناعة الفيلمية الحاسوبية، الرسوم المتحركة، النصوص الأدبية( بأجناسها المختلفة)، الموسيقى، الغناء، اللهجات، اللغة الفصيحة، الإرجاع التاريخي، والنظم الدليلية المختلفة….
وبهذا الشكل يكون النص الرقمي نصا استراتيجيا، لايؤتي أكله، إلا إذا تمكنا من فهم آليات معالجة اللغة فيه، ما يحتم علينا إدراجه ضمن مجال اللسانيات الحاسوبية، التي تستلزم لفهم الوسائط الآلية؛ فهما للذكاء الآلي، وإدراكا للبعد التفاعلي الكترونيا، لا في المجال الواقعي، بل افتراضيا، وفق المستلزمات العلمية الخاصة.
—————
الهوامش:
[1] https://drive.google.com/file/d/0B52tMZcswddxbzNOTDJ5bUJrZGc/view
[1] يمكن تحميل السيرة الذاتية للأديب من خلال رابط الموقع التفاعلي في رواية ظلال العاشق. https://drive.google.com/file/d/0B52tMZcswddxbzNOTDJ5bUJrZGc/view
[1] Jean Dubois et autres. Dictionnaire de linguistique et des sciences du langages. Larousse-
Bordas/ HER. 1999. P :123-124-482.
[1] يتطلب البحث في مجال اللسانيات الحاسوبية (Computational lnguistics ) فهم الأسس النظرية التي بنيت عليها أولا؛ ثم كيفية انتقالها من المجال النظري إلى العوالم التطبيقية المتشعبة؛ فلقد” بلغ التقدم التكنولوجي أوجه، بسبب التقدم الهائل الذي أحرزه العلم في بناء أجيال متطورة من الحاسوب. وقد كان لهذا التطور أن يدخل في مجالات الحياة كلها، و أن يعمل على تجديد النظر العلمي، و الأساليب التي يطبقها العلماء في ميادين العلم المختلفةسمير شريف استيتية, اللسانيات. المجال، والوظيفة، والمنهج. عالم الكتب الحديث. جدارا للكتاب العالمي. ط 2 .1429 هـ ـ 2008 م. إربد الأردن. ص:527.
[1] أوزوالد ديكرو وجان ماري سشايفر. القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان. تر: منذر عياشي. المركز الثقافي العربي.ط2. 2007.ص:533.
[1] زهور كرام.الأدب الرقمي. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية. رؤية للنشر,ط1، 2009, ص:14.
[1] المرجع نفسه. ص: 37.
[1] رولان بارث. الغرفة المضيئة. تأملات في الفوتوغرافيا. تر: هالة نمر، مرا: أنور مغيث. المركز القومي للترجمة.ط1، 2010. ص: 75.(بتصرف)
[1] ينظر المرجع نفسه. ففيه يقوم بارث بتحليل صور فوتوغرافية، مبرزا الفرق بينها وبين السينمائية.
[1] المرجع نفسه: ص: 113.
[1] الأدب الرقمي. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية. ص: 38.
[1] سعيد يقطين. النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية). المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء، بيروت. ط1 2008. ص:129 (بتصرف).
[1] ماري تيريز جورنو. معجم المصطلحات السينمائية. تحت إدارة ميشيل ماري. تر: فائز بشور. ص: 7.
[1] المرجع نفسه. ص: 44.
[1] المرجع نفسه. ص: 44.
[1] المرجع نفسه. ص: 44.
[1] دانيال فرامبتون. الفيلموسوفي. نحو فلسفة للسينما. تر و تق : أحمد يوسف. المركز القزمي للترجمة. ط1 2009 ص: 18.
[1] المرجع نفسه. ص: 36.
[1] الأدب الرقمي. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية. ص: 37.
[1] المرجع نفسه. ص: 66.
[1] المرجع نفسه. ص: 70.
[1] المرجع نفسه. ص: 74.
[1] المرجع نفسه. ص: 85.
[1] بيل نيكولز. أفلام ومناهج – الجزء الثالث- النظريات. تر: حسن بيومي. إش: جابر عصفور. المركز القومي للترجمة. ط1 2007. ص: 322.
[1] ينظر: معجم المصطلحات السينمائية. ص: 25. ( الفيلم القصير).
[1] المرجع نفسه. ص: 37
[1] معجم المصطلحات السينمائية. ص: 57. (بتصرف).
[1] المرجع نفسه. ص: 6.
[1] المرجع نفسه. ص: 10.
[1] المرجع نفسه. ص: 2.
[1] المرجع نفسه. ص: 16.
[1] المرجع نفسه. ص: 35. (بتصرف)
[1] المرجع نفسه. ص: 54.
[1] Shannon and Weaver. The mathematical theory of communication. The university of Illinois. PRESS. URBANA. 1964. P :3.
[1] لقد انصب اهتمام المشتغلين بآليات التواصل من علماء الرياضيات والفيزياء على تصميم الآلات التي تساهم في إرسال الرسائل مع كيفية تذكرها و فهمها الفهم الصائب، الأمر الذي اهتم به اللسانيون أيضا وعلى رأسهم رومان جاكوبسون(Roman Jackobson)؛ حيث كان اللسانيون مهيئيين لاستقبال هذه الأفكار على الرغم من أنها لا تخص المدونات اللسانية وحسب، إنما قد تشمل أيضا إشارات مورس، الإشارات الضوئية… التي توجهها شفرات معينة، كما ” يطلق على المعلومات التي تتضمنها علامة تواصلية واحدة مصطلح (انتروبيا) Entropy، وتتباين( الانتروبيا) من حيث الحجم تبعا لدرجة قابلية المعلومة للتنبؤ بها. و يحتل مفهوم التنبؤ Predectability مكانا بالغ الأهمية في نظرية المعلومات، ومن ثم فإنه مفهوم مهم أيضا للدراسات اللسانية الحديثة التي تضع عمليات التواصل موضع الاعتبار… ويمكن أن تقاس كمية المعلومات في علامات لغة ما بأن نحل محلها علامات أخرى فكلما زادت إمكانات الإحلال زادت كمية المعلومات التي تحمل العلامة المعينة، تلك التي نريد قياس معلوميتها ( أي إن القابلية للتنبؤ تكون محدودة)” . ميلكا إفيتش. اتجاهات البحث اللساني تر: سعيد عبد العزيز مصلوح. وفاء كامل فايد. المجلس الأعلى للثقافة. ط2. 2000. ص:429. 430.
[1] بحوث و دراسات في اللسانيات العربية. ج1. ص:92. 93.
[1] وكذلك الأشعار الموالية:
فزيت من حلو نوم الطراريح
نخيت عتيق الرب يا قرم العيال
جونا بالليل ما هو مصابيح
يذبحوا رجالنا ما بدهم حلال
عتاق يا عتاق تنخاك المطاميح
راح لحمنا ما بين هيش ودوالي(14)
جردها الخريشا من البلقاء لطوباس(16)
ومن المخزوم للزرقاء لسيل وقاص
وحتى عبيد الغــور غــبــن الكــفــاف
كــل البــداوة من الـغـبـايـن نـحـاها
وهل أنا إلاّ من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد (18)
ريت المنايا الي تيجي يا سلامة
تحوم ع الأنذال دار بدار
ويطول عمرك يا حفيظ السلامة
وتدوم يا عز الأهل والجار
([1])Louis Hjelmslev. Prolégomènes à une théorie du langage. Tr du Danois par : Una Conger et Annick Wewer. Ed .de Minuit. Paris 1971. p : 33.
([1])Ferdinand de Saussurse. Cours de linguistique générale. Publié par : Charles Bailly et Albert Séchehaye. Avec la collaboration d’Albert Riedlinger. Ed critique préparée par Tulio de Mauro. Postface de Louis –Jean Calvert ed. Payot 1967 pour les notes de de. T.J.M Payot rivages. Paris p : 33
([1])Charles Sanders Peirce. Philosophical writings of Peirce. Select, Edit: Justus Buchler. Dover pub.INC. New York. 1955. P :102.
([1]) Voir: Ibid . p 105.
[1] معجم المصطلحات السينمائية. ص: 56، 57.
([1]) Voir : . mp.
[1] أمبرتو إيكو. السيميائية وفلسفة اللغة. تر: أحمد الصمعي. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت لبنان. ط1 تشرين الثاني (نوفمبر). 2005. ص: 233
[1] المرجع نفسه. ص: 236.
[1] المرجع نفسه. ص: 238.
([1])Philosophical writings of Peirce Ibid. m p.
([1]) Ibid . m p.
([1]) Ibid. P:104.
([1]) Ibid . P : 112.
[1] أفلام ومناهج- الجزء الثالث- النظريات. ص: 341.
([1])Philosophical writings . m p.
([1])Charles Sanders Peirce Ecrits sur le signe. Rass et tra par : Gérard Deledale. Ed du Seuil. 1978. P: 162.
[1] نور الدين رايص. نظرية التواصل واللسانيات الحديثة. مطبعة سايس فاس. ط1، 2007.ص: 274، 275.
[1] ينظر: الأدب الرقمي. أسئلة ثقافية وتأملا